الجمعة 22 نونبر 2024

الجمعة 22 نونبر 2024

تأثير إنجازات المنتخب الوطني لكرة القدم على المجتمع المغربي

تعتبر لعبة كرة القدم الرياضة الأكثر شعبية في المغرب. وهي اليوم لم تعد مجرد نشاط ترفيهي أو تنافسي بل أصبحت أقرب إلى ظاهرة اجتماعية لها دور بارز في تحقيق التنمية البشرية، وتقوية الروابط الاجتماعية، وتعزيز القيم الإنسانية النبيلة داخل المجتمع المغربي. وقد أظهرت المشاركة المغربية الناجحة للفريق الوطني في كأس العالم قطر 2022 بشكل لافت أحد أهم هاته الظواهر. فباحتلالهم المركز الرابع بعد تغلبهم على فرق من العيار الثقيل مثل إسبانيا والبرتغال، قدم أسود الأطلس صورة مشرقة ومشرفة للمغرب والمغاربة مساهمين بذلك في تكريس مجموعة من القيم التي خاطبت مشاعر الملايين من المغاربة عبر مختلف أنحاء العالم. وبرزت إلى الوجود مبادئ تجاوزت كرة القدم كالانتماء و التلاحم و حب الوطن و الارتباط بالأسرة و النية و غيرها.

منذ مبارياته الأولى في كأس العالم قطر 2022، حظي المنتخب المغربي بتعاطف وتشجيع واسعين من الجماهير المغربية من داخل البلاد و خارجها. حيث شاهدنا صورا حضارية توحدت فيها الأصوات و الشعارات. و قد كان حضور الجالية المغربية المقيمة بالخارج على رأس المشجعين، مأكدة بذلك على وطنيتها الراسخة و انتمائها المتجذر للهوية المغربية الأصيلة، سواء عبر متابعة الأسر، كبارا و صغارا، للمباريات من داخل مدرجات الملاعب أو من خلف شاشات التلفاز، مرتدين القميص الوطني وملتحفين العلم المغربي و هم يرددون الأهازيج المغربية، أو عبر خروجهم في مواكب احتفالية بعد نهاية كل مباراة. الكل كان في الموعد لمتابعة وتشجيع منتخب الأسود. و استمتع الشعب المغربي بتجربة مشتركة كان فيها المغاربة ممثلين من طرف فريق بلادهم الذي أصبح مرجعا لهم يوحدهم ويجمعهم ويجعلهم يعيشون بفرح وفخر ب”تامغربيت”. و اكتملت صورة هذه الملحمة المغربية، بنزول الملك محمد السادس مرفوقا بولي العهد الأمير مولاي الحسن إلى شوارع العاصمة الرباط للاحتفال جنبا إلى جنب مع أبناء شعبه. مرتديا قميصا بألوان أسود الأطلس، ملوحا بالعلم الوطني، ليتقاسم مع رعاياه الأوفياء لحظة احتفالية تاريخية لن تنسى.

ثم هناك القيم التي يحملها لاعبو الفريق الوطني الذين أظهروا عن روح وطنية و تلاحم عاليين. فرغم أن معظمهم ولدوا في ديار المهجر ويعيشون فيه، بل صقلت مواهبهم في نواد أوروبية، إلا أنهم لم ينسلخوا عن قيم وطنهم الأم وهويتهم الثقافية و تنافسوا بندية غير مسبوقة وتحاملوا على إصاباتهم من أجل اللعب والدفاع عن قميص الوطن. فأعطوا للمغاربة نموذجا يحتذى به في القيم والأخلاقيات البناءة داخل أرضية الملعب وفي الحياة اليومية. و قد ساهم ذلك في توطيد العلاقة بين اللاعبين و الجماهير المغربية التي خصصت للأسود استقبالا شعبيا كبيرا فور عودتهم من المونديال، تعبيرا منها عن الشكر و الامتنان لهؤلاء الأبطال. كما أن الاستقبال الملكي الذي خصصه جلالة الملك لأمهات لاعبي المنتخب الوطني جسد مظاهر التلاحم و الترابط داخل الأسرة المغربية التي تعد الأم نواتها المركزية. وهو تكريم للأمهات المغربيات اللواتي حرصن على تلقين أطفالهن مبادئ الوطنية والتضحية والانتماء للوطن. وهو ما جعل المغاربة يتداولون تلك المشاهد بكثير من المشاعر الفياضة المملوءة بالحب والاعتزاز.

 ومن القيم التي برزت لدى المغاربة كذلك بعد المشاركة في مونديال قطر 2020 هي الإيمان بأنفسهم والعمل بـ “النية”. و هي قيمة إيجابية راسخة في الثقافة المغربية مند القدم. و قد استخدمها مدرب المنتخب الوطني، وليد الركراكي، رابطا الإنجاز بتفعيل النية. فكان في كل محطة من المحطات التي يقبل عليها في ذلك العرس الكروي الكبير يردد لازمة “ديرو النية! “. مما خلق نوعا من التحفيز والتفاؤل و الروح العالية والإيمان بالنصر لدى اللاعبين الذين آمنوا بقدراتهم و لعبوا بثقة حتى آخر لحظة. و مند ذلك الوقت أصبحت هذه اللازمة متداولة داخل المجتمع لتنتقل بذلك الطاقة الإيجابية إلى جميع أبناء الشعب المغربي. فبات الجميع يؤمن بأن الإرادة والجدية وحسن النية عناصر أساسية لتحقيق الأهداف. فالنية عندما تكون مقرونة بالكفاءات والتكوين الجيد و الثقة بالنفس وبالآخرين فإنها تصنع التفوق.

لقد قدم أسود الأطلس رسالة قوية للمغاربة من خلال الإنجاز الرياضي العظيم الذي قاموا به، عبروا فيها عن روح المواطنة الصادقة والتلاحم الاجتماعي و الارتباط بالهوية المغربية والعمل بإخلاص و نية للوصول إلى الهدف و تشريف البلاد. فتقاسموا مع الجمهور المغربي و مع العالم أجمع مشاعر الوحدة والفخر والاعتزاز والإيمان بأن النجاح هو نتاج جهد متواصل وعمل منظم. و يبقى الأهم من ذلك هو أن نستلهم من أدائهم الكروي المشرف دروسا وقيما عملية في تدبير مختلف مجالات العمل داخل المجتمع المغربي، ليس في الرياضة فحسب بل في التنمية، والتعليم، والصحة، والثقافة، والعلم، والفن…، وخصوصا لدى فئة الشباب الذين يجب أن تمنح لهم الثقة في النفس والإمكانات الحقيقية ليحققوا ما يحلمون به ويسعون إليه ويرفعوا العلم الوطني عاليا.