رسالة ملكية إلى اجتماع المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة «الرياضات كوسيلة لدعم التنمية الاقتصادية المحلية وخلق فرص الشغل»
جنيف، 09 جمادى الثانية 1427 هـ الموافق 05 يوليوز 2006 م
«الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه،
السيد الرئيس، حضرات المندوبين الموقرين، حضرات السيدات والسادة،
يطيب لي، بهذه المناسبة السعيدة، أن أتوجه في البداية بالشكر الجزيل، إلى كل من ساهم رجالا ونساء، في تنظيم هذا الاجتماع الذي يندرج في إطار الوحدة رفيعة المستوى التابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة، مهنئا الأمين العام للأمم المتحدة بشكل خاص على الجهود المبذولة لإنجاح هذه المبادرة القيمة، وكذا على إفساحه المجال لنا للمشاركة في عمل واعد وملموس في إطار من الانسجام التام مع تلكم المطامح النبيلة والشجاعة التي ينطوي عليها ميثاق المنظمة الدولية، وكذا مع غاياتها الاجتماعية التي تحددت بوجه خاص منذ انعقاد قمة الألفية والرامية إلى ضمان مستقبل للبشرية يسوده مناخ من السلم والتضامن والازدهار للجميع.
كما أود بهذه المناسبة، أن أؤكد مجددا الالتزام الراسخ للمملكة المغربية بالعمل في مختلف الهيئات التابعة للأمم المتحدة، على تقديم الدعم اللازم للمبادرات الهادفة إلى تحقيق السلم والتنمية، معلنا اليوم انخراط بلادي التام في الأهداف النبيلة التي وضعها أصحاب هذه المبادرة.
إن موضوع هذا الاجتماع «الرياضات كوسيلة لدعم التنمية الاقتصادية المحلية وخلق فرص الشغل» يشكل لا محالة مناسبة سانحة لتعميق البحث بشأن إشكالية الشغل، بهدف تعبئة كافة الطاقات لتجسيد الهدف المتجلي في توفير الشغل القار للجميع.
لذا، فإنني أنوه بالمبادرة الطيبة التي تجمع بشكل بناء ممثلي القطاعين العام والخاص، كيفما كانت أشكال التنظيم والأهداف المتوخاة شريطة أن يعمل هؤلاء على التوظيف الفعال والمستمر للرياضة لإحداث المزيد من فرص الشغل، وكذا لجعل هذا القطاع رافعة للتنمية المستدامة، سواء داخل بلداننا أو على الصعيد العالمي.
إن تكثيف الجهود وتضافرها، ضرورة حتمية نابعة من قناعتنا الراسخة، ومن كون أن المغرب، بكل قواه الوطنية وشرائحه الاجتماعية، مافتئ يعمل ويجرب ويثابر، معتمدا في مسيرته على مقومات الدولة وامتداداتها لاسيما اللامركزية منها. وكذلك منظمات المجتمع المدني، مدعومة من قبل القطاع الإنتاجي، إضافة إلى البحث عن شركات فاعلة على الصعيد الجهوي والدولي والحكومي وغيره بمساندة من منظمة الأمم المتحدة التي أصبحت تتولى دورا تنظيميا واسعا في هذا المجال.
إن تنمية الرياضات في المغرب والإنجازات التي تحققت في هذا المجال، لتستحق بهذه المناسبة إلماحة قصيرة باعتبارها تجسيدا لما يبعث على الأمل بفعل روح التنافس الجماعي، في أن يتحقق التناغم المنشود بين نوايانا وأعمالنا المشتركة.
ومن جهتي، أؤكد لكم انخراط المملكة المغربية في هذا المشروع، الذي يتناسب تماما مع ما يعمل المغرب بكل عزم وثبات، على تحقيقه، معربا عن أملي في استفادة بلادي من التجارب المتاحة، في إطار هذه المبادرة التي تتوخى التوفيق بين الأهداف الاقتصادية للشغل ومقاصده الاجتماعية التي تروم تحقيق الاندماج والإنصاف.
ونظرا لكون هذه المرامي ذات الطابع الاجتماعي، جد مشروعة وطموحة ونبيلة، فإنه تحدوني رغبة أكيدة لتجسيدها لفائدة الشعب المغربي قاطبة ولفئة الشباب على وجه الخصوص، ولاسيما الفئات الأكثر عوزا والأكثر فقرا، وتلك التي تعيش باستمرار في ظروف صعبة.
وفي هذا الصدد، فإن مؤسسة محمد الخامس للتضامن التي لها صفة استشارية خاصة لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة، خير تجسيد لهذه الرؤية إذ أنها تعتبر إدماج الشباب أحد انشغالاتها الثابتة، فهي تسهر على تشييد العديد من المراكز المجهزة التي تستفيد منها بعض جمعيات المجتمع المدني الناشطة وفاعلون محليون يعملون في مجال إنعاش وإدماج الشباب عن طريق التكوين المهني وأنشطة القرب التي تعتبر الرياضة والترفيه والثقافة أحد دعائمها الأساسية.
ولن يتأتى إشراك مثل هذه الهيئات، كمؤسسة محمد الخامس للتضامن التي ينبغي أن تتوفر لها القدرة على دعم برنامج عمل من هذا الحجم الكبير وتعبئة كافة الفاعلين الاجتماعيين، في غياب سياسة اجتماعية عمومية تتسم بروح التضامن وقوة التجانس، ويلتف حولها الجميع في إطار من التعبئة الشاملة المستمرة، على الصعيدين المحلي والوطني.
لذا جاءت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي أعطيت انطلاقتها قبل سنة ونيف بمثابة قطب الرحى الذي تلتف حوله المشاريع القطاعية المبرمجة وذات الصلة بالرياضة والشباب. وباعتبارها سياسة عمومية تتوخى توفير التأطير الاجتماعي الواسع، فإنها تشكل المحرك الأساسي لإنعاش التنمية المستدامة التي ترتكز بالأساس على الموارد البشرية.
ولا يجدر بأي سياسة اجتماعية قطاعية، كما نتوخاها جميعا من خلال مشاريع محددة، أن تتحقق بمعزل عن سياسات عمومية قطاعية أخرى تكون قريبة منها، إذ أن التكامل فيما بينها كفيل بتحقيق التعبئة الاجتماعية المنشودة وتوفير الدعم المادي الضروري لبلوغ الأهداف المرجوة. ولا غرو فإن التنمية عملية شمولية بامتياز.
ولن يتأتى لأي رؤية قطاعية، كيفما كانت وجاهتها، أن تكون مكتفية بذاتها، إن من حيث منطلقاتها النظرية أو من حيث مقاصدها فقيمتها تكمن في ما تتسم به من طابع الشمولية والتماسك، في حرصها الدائم على تحديد مراميها بالنظر إلى الاحتياجات الأساسية للمواطن، وذلك حتى يتسنى له التوفر على السكن اللائق والاستفادة من نظام تعليمي فعال وخدمات صحية مرضية، ومن مصدر للدخل يكفل ظروف العيش الكريم.
وانطلاقا من هذه الرؤية، حرصت على العمل بلا كلل لتتمكن بلادي من تحقيق تنمية منسجمة ومنصفة، وكذا على توفير الشروط اللازمة للنهوض باقتصاد مزدهر، وبناء مجتمع متضامن وديمقراطي.
واعتمادا على هذه الرؤية الشمولية اعتبرت على الدوام أن الرياضة عنصر من العناصر الرئيسية للتنمية. لذا فقد أوليت باستمرار عناية خاصة للأعمال التي تقوم بها الدولة وباقي الفاعلين في هذا الإطار. ولا سيما المنظمات غير الحكومية على الأصعدة الوطنية والإقليمية والدولية. وخير دليل على ذلك الأنشطة التي قام المغرب بتنظيمها مؤخرا كالمؤتمر الإفريقي للقيادات الشبابية أو اجتماع برامج «سبيسيال أولمبيكس» بالنسبة لمنطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط وهو الاجتماع الذي يعمل على النهوض برياضات الأشخاص المعاقين.
كما انخرطت على الدوام في تلكم الفلسفة التي تقوم عليها أخلاقيات الرياضة لاسيما وأن للرياضة أثرا بالغا على البنية الجسدية للأشخاص وعلى انفتاحهم.
فالرياضة تمكن من اكتساب روح العمل الجماعي والانفتاح على الآخر وتحفز على التنافس السليم فضلا عن كونها عاملا لإدماج الشباب يقيهم من الوقوع في الانحراف ويمكنهم من التوظيف المجدي لأوقات الفراغ إضافة إلى أنه يسهم بشكل فعال في تعزيز المسار التعليمي للأطفال والشباب.
وعلاوة على ذلك، فإن للرياضة أثرا مباشرا على واقع الشغل. ويتجلى ذلك من خلال الآفاق التي تفتحها إقامة البنى التحتية المخصصة للرياضة والأطر التي تحتاجها. وكذا من خلال إنشاء وحدات إنتاجية لها ارتباط بقطاع الرياضة والتي توفر موارد وخبرات أكيدة فضلا عن الآثار المواكبة لهذه الدينامية والتي تساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية للأمم.
إن الثنائية المحورية للتكوين والشغل الموجهين بالأساس لدعم أهداف الرياضة المنتجة لفرص الشغل تستحق منا بذل المزيد من الجهود في إطار أنظمتنا التربوية. لذا ينبغي التحفيز على اختيار الطفل للرياضة كمهنة يزاولها في المستقبل وذلك في سن مبكرة شأن الرياضة في ذلك شأن باقي المهن.
بيد أنه لن يتأتى لنا النجاح في ذلك دون أن يدمج العمل الرامي إلى تنمية الرياضة في منظور له عنصرا المشاركة والقرب في جميع مناحي الحياة الاجتماعية. تلكم إذن، هي التوجهات التي وضعتها لمؤسسة محمد الخامس للتضامن التي انخرطت في مشروع طموح يهدف إلى إنجاز مرافق رياضية في الأحياء والمراكز الاجتماعية التي أقامتها عبر أنحاء المملكة.
كما يجدر التأكيد على أن المملكة المغربية، ترحب بالاقتراح الذي تقدمت به مؤسسة «قدموا لهم يد العون» ومؤسسة « اكس ال جينريشن» لإطلاق برنامج «ووردسبورت الاينس» التحالف العالمي من أجل الرياضة الذي يهدف إلى جعل الرياضة محركا لتربية الأطفال والمراهقين عبر العالم وبالتالي إلى دعم تحقيق أهداف التنمية للألفية.
وإنني إذ أتمنى كامل التوفيق لأشغالكم، لأود أن أعرب من جديد عن الاهتمام الذي أوليه لمشروع «التحالف العالمي من أجل الرياضة» وكذا استعداد المغرب للإسهام في النقاشات التي ستتم بهدف تجسيد هذه المبادرة النبيلة في إطار المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.»